يوسف وفقير - الرباط
مع الإعلان عن دخول المغرب رسميا إلى مرحلة الجيل الخامس للاتصالات، بدا المشهد للوهلة الأولى مبشرا، يعد بتسارعٍ رقمي يقرب البلاد خطوات إضافية نحو نادي الدول المتقدمة في مجال التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي. غير أن لحظة الفرح التقنية سرعان ما تفرض سؤالها غير المريح: هل نتحدث عن مغرب رقمي واحد، أم عن مغربين يسيران بسرعتين مختلفتين مرة أخرى؟
لا أحد ينكر أهمية هذه القفزة، فالجيل الخامس ليس تطورا عاديا في تاريخ الاتصالات، بل منصة تكنولوجية قادرة على تغيير أنماط الاقتصاد والإدارة والتعليم والصحة وحتى سلوك المجتمع. لكنه، في الآن ذاته، قد يتحول إلى أداة تعميق للهوة، إذا بقي امتيازا مركزيا تدور دائرته داخل المدن الكبرى والأقطاب الاقتصادية، فيما تترك المدن الصغيرة والهوامش عالقة في اتصال بطيء، أو في خدمات بالكاد تلائم القرن الذي نعيش فيه.
نحن اليوم أمام اختبار حقيقي لشعار "التنمية الشاملة"، لا أمام سباق نحو أسرع شبكة في العاصمة أو أكثر الأبراج تغطيةً في المدن الساحلية. فالتكنولوجيا، حين لا توزَع بعدالة، لا تحدث تقدما عاما، بل تكرس امتيازات قائمة سلفا. وإذا كان الاقتصاد التقليدي قد صنع لعقود طويلة ثنائية "مغرب نافع" و"مغرب غير نافع"، فإن الخوف كل الخوف أن يأتي الجيل الخامس ليمنح لهذه الثنائية نسخة رقمية أشد قسوة وإحكاما.
لقد نبه جلالة الملك في أكثر من مناسبة إلى خطورة استمرار منطق "المغرب الذي يسير بسرعتين"، مؤكدا أن مغرب الغد لا يمكن أن يكتب بلغة الإقصاء الترابي أو التمييز المجالي، وأن التنمية الحقيقية هي التي تصل إلى القرية كما تصل إلى المدينة، وإلى الجبل كما تصل إلى الساحل، دون امتيازات جغرافية أو أسبقية المدن المحظوظة.
من هنا، يصبح السؤال الجوهري: هل سنرى الجيل الخامس قوة توحيد رقمي للمجال الوطني؟ أم سنراه حاجز سرعة جديد بين من يملكون حق الولوج إلى المستقبل، ومن يكتب عليهم الانتظار الطويل في طابور الشبكة الضعيفة؟
إن الاستثمار في شبكات الاتصال لا يمكن أن يقاس فقط بعدد المدن المغطاة، بل بعدد المناطق التي تم انتشالها من دائرة التهميش الرقمي، ومدى قدرة القرى والحواضر الصغيرة على الاستفادة من الخدمات التعليمية الافتراضية، والطب عن بعد، والحلول الذكية للفلاحة، والإدارة الإلكترونية، وفرص الشغل التي تخلقها الرقمنة. فبدون هذا البعد الاجتماعي، سنكون أمام قفزة تقنية لامعة، لكنها عرجاء... تقفز إلى الأمام لكنها تترك نصف الوطن خلفها.
إن الجيل الخامس ليس موضوع سرعة تحميل أو جودة فيديوهات فقط، بل مسألة عدالة مجالية، وحق دستوري في الولوج المتكافئ إلى الخدمات العمومية والفرص الاقتصادية. وإذا لم ننتبه مبكرا إلى هذا المعطى، فقد نكتشف غدا أن ما بدا "نهضة رقمية" لم يكن سوى سورا جديدا يفصل بين مغربين مختلفين في الحقوق والفرص.
نحن اليوم أمام فرصة ثمينة: أن نجعل من 5G بداية اندماج وطني لا بداية انقسام جديد. لكن تحقيق ذلك مشروط بالإرادة، وبالسياسات العمومية اليقظة، وبالقطع مع منطق "التنمية بالتدرج الجغرافي" الذي يجعل الهامش ينتظر ما يتبقى من المركز. التكنولوجيا حين تنجح، فهي توحد. وحين تدار بلا عدل، فهي تقصي بسرعة أكبر مما نتخيل.
الرهان إذن ليس في سرعة الشبكة، بل في سرعة سد الفوارق. وما عدا ذلك قد يكون مجرد انتقال جديد… نحو مغرب ما زال يسير بسرعتين.
يوسف وفقير - الرباطأعاد تصريح لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، إحياء النقاش حول حصيلة إصلاح التعليم...
يوسف وفقير - الرباطكشف وزير الثقافة والشباب والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، اليوم الثلاثاء بمجلس النواب، أن حوالي 80 في المائة...
اشترك في النشرة الإخبارية لتصلك التحديثات الجديدة يوميًا
كن أول من يعلق على هذا المقال
احصل على آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني