قانون المالية 2026.. توازن بين دعم الاقتصاد وتحمل كلفة التزامات كبرى استعدادا لأفق 2030

يوسف وفقير - الرباط

كشف تقرير النفقات الجبائية المرفق بمشروع قانون المالية لسنة 2026 عن حجم الدعم الضريبي الذي تخصصه الدولة لفائدة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، إذ من المتوقع أن تبلغ قيمة هذه النفقات 32.015 مليار درهم خلال سنة 2025، مقابل 31.493 مليار درهم سنة 2024، في ارتفاع طفيف يعكس استمرار توجه الحكومة نحو دعم الأنشطة الاقتصادية وتحسين القدرة الشرائية للأسر.

وأوضح التقرير أن المقاولات تستفيد من نسبة 44.8% من مجموع النفقات الجبائية، أي ما يعادل 14.356 مليار درهم، فيما بلغت حصة الأسر 46.5% بما قيمته 14.873 مليار درهم. كما استفاد المزارعون من إعفاءات بقيمة 1.882 مليار درهم، والمنعشون العقاريون من 1.094 مليار درهم، فيما بلغت استفادة المأجورين 4.520 مليار درهم، وهو توزيع يعكس حرص الدولة على الموازنة بين دعم الاقتصاد المنتج وتخفيف العبء الضريبي على المواطنين.

وتشير تفاصيل التقرير إلى أن تشجيع الادخار الداخلي يستحوذ على الحصة الأكبر من النفقات الجبائية بقيمة 6.179 مليار درهم، يليه دعم القدرة الشرائية بـ5.963 مليار درهم، وتشجيع امتلاك السكن بـ5.265 مليار درهم، إلى جانب مجالات أخرى مثل التعليم، الاستثمار، الفلاحة، الحماية الاجتماعية، التصدير، والثقافة.

وفي سياق متصل، كشف تقرير المؤسسات العمومية المرفق بالمشروع نفسه عن الوضعية المالية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، التي سجلت خسائر ناهزت 410 ملايين درهم سنة 2024 نتيجة التكاليف المرتفعة لاقتناء حقوق بث التظاهرات الرياضية الكبرى، وفي مقدمتها كأس إفريقيا للأمم بساحل العاج والألعاب الأولمبية بباريس. ورغم تحقيق الشركة إيرادات بلغت 439 مليون درهم بزيادة 24% مقارنة بسنة 2023، وارتفاع مبيعات الإعلانات بنسبة 56% لتصل إلى 194 مليون درهم، فإن هذه المداخيل لم تكن كافية لتغطية النفقات الضخمة المرتبطة بحقوق البث، مما أدى إلى عجز مالي مهم مرشح للارتفاع إلى 476 مليون درهم خلال سنة 2025.

ولمواجهة هذه الوضعية، رفعت الشركة رأسمالها الاجتماعي إلى 1.275 مليون درهم في يونيو 2024 ضمن عملية مالية لإعادة الهيكلة، مع الإعداد لتوقيع عقد-برنامج جديد مع الدولة واستكمال هيكلة القطب السمعي البصري العمومي استعدادا لتغطية الاستحقاقات الرياضية المقبلة، وعلى رأسها كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. هذه المعطيات المالية تعكس الضغط الكبير الذي تتحمله المؤسسات العمومية في سبيل تأمين حضور وطني قوي في الأحداث الكبرى، بما لذلك من أبعاد إعلامية واقتصادية.

ومن زاوية موازية، أبرز التقرير ذاته أن المغرب بصدد تنفيذ خطة استثمارية ضخمة تمتد إلى سنة 2030، تصل قيمتها الإجمالية نحو 227.5 مليار درهم، وتشمل مشاريع البنية التحتية والنقل والتحول الرقمي، في إطار الاستعداد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2030. ويُعد هذا البرنامج امتدادا لرؤية تنموية شاملة تجمع بين تحديث الاقتصاد وتعزيز مكانة المملكة على الصعيد الدولي.

في قطاع النقل، يواصل المكتب الوطني للسكك الحديدية تنفيذ مشروع القطار فائق السرعة الرابط بين القنيطرة ومراكش على طول 430 كيلومترا، بكلفة تقارب 96 مليار درهم، فيما تواصل الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب تنزيل برنامجها التنموي إلى غاية 2032 باستثمارات إجمالية تناهز 17 مليار درهم. أما المكتب الوطني للمطارات، فقد أطلق خطة "مطارات 2030" باستثمارات تبلغ 38 مليار درهم، تشمل بناء محطة جوية جديدة بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء بطاقة 20 مليون مسافر، ومطارا جديدا في العاصمة الاقتصادية، إضافة إلى مشاريع توسعة مطارات مراكش وأكادير، وطنجة وفاس وتطوان.

وفي المجال الجوي، تعمل الخطوط الملكية المغربية على مضاعفة أسطولها ليصل إلى 200 طائرة بحلول سنة 2037، مع فتح أكثر من 100 وجهة دولية و46 خطا داخليا جديدا، بهدف رفع رقم معاملاتها إلى 94 مليار درهم سنويا ونقل 31.6 مليون مسافر بمعدل امتلاء يبلغ 82%. وفي الجانب الرقمي، رصدت الحكومة 80 مليار درهم ضمن استراتيجية "المغرب الرقمي 2030" لتوسيع البنية التحتية التكنولوجية وإطلاق خدمات الجيل الخامس (5G) ابتداء من سنة 2026، مع ضمان تغطية تقنية تشمل 85% من السكان بحلول 2030 و100% من المدن المستضيفة للمونديال.

وتُظهر هذه المعطيات مجتمعة أن السياسة الاقتصادية للمغرب خلال المرحلة المقبلة تقوم على توازن دقيق بين تحفيز الاقتصاد عبر الحوافز الجبائية، وتحمل المؤسسات العمومية لمسؤولياتها في القطاعات الحيوية، واستثمار واسع في البنيات التحتية والرقمنة استعداداً لآفاق 2030، بما يعزز موقع المملكة ضمن الاقتصادات الصاعدة.