يوسف وفقير - الرباط
بعد ما يقارب عامين من إطلاق برنامج دعم السكن وسط آمال عريضة، تتضح معالم مفارقة صارخة بين نجاح نسبي في المدن وتعثر كبير في القرى، إذ بينما تمكن آلاف الأسر الحضرية من الاستفادة، ظل سكان البوادي عالقين وسط متاهات إدارية وقانونية وتصاميم لا تراعي واقعهم، ما جعل حلم السكن اللائق يتبخر أمام أعينهم، وطرح أسئلة حارقة حول نجاعة السياسات الموحدة في بلد متعدد المجالات.
اللافت أن هذا التعثر لم يعد مجرد ملاحظة ميدانية، بل أقرّت به وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، مساء اول أمس خلال جلسة برلمانية، حين أعلنت بصراحة عن فشل البرنامج في تحقيق أهدافه بالعالم القروي، في تناقض واضح مع حصيلته الإيجابية في المدن. وسبق هذا الاعتراف ما قدمه كاتب الدولة المكلف بالإسكان أديب بن براهيم في يوليوز 2025 من أرقام صادمة، إذ لم يتعد عدد المستفيدين القرويين 3 آلاف أسرة، رغم الطلبات الكثيرة والحاجة الملحة. أما على المستوى الوطني، فقد استفاد 66,305 شخص من أصل 198,064 طلبا، بكلفة مالية بلغت 5.4 مليار درهم، وهو ما يكشف عن فجوة عميقة بين المجالين الحضري والقروي.
ويرجع إخفاق البرنامج في القرى إلى عوامل متشابكة، كما أبرز ذلك تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. فشرط التحفيظ العقاري ظل حاجزا قانونيا يحرم عددا كبيرا من الأسر من الدعم، لأن الملكية القروية ما تزال، في الغالب، قائمة على العرف والإرث بدل التوثيق الرسمي. إلى جانب ذلك، اصطدمت معايير البناء الصارمة والتصاميم الموحدة مع واقع البناء الذاتي التقليدي في القرى، حيث لا تتوفر الإمكانيات المالية ولا التقنية للالتزام بهذه الشروط.
وتضاف إلى هذه العراقيل إكراهات المسافة والتعقيدات الإدارية، إذ يضطر سكان القرى إلى التنقل لمسافات طويلة نحو المراكز الحضرية للقيام بإجراءات معقدة لدى الوكالات الحضرية والموثقين والبنوك. هذه الكلفة الزمنية والمالية كانت كافية لتثبيط عزيمة كثيرين ودفعهم للتخلي عن استكمال مساطر الاستفادة.
إزاء هذا الوضع، أعلنت الوزيرة المنصوري أن الحكومة بصدد إعداد برنامج جديد مستقل لمعالجة اختلالات السكن القروي، في محاولة لتصحيح مسار السياسة السكنية. لكن المتتبعين يحذرون من الاكتفاء بإصلاحات شكلية، مشددين على أن أي مقاربة ناجعة يجب أن تنطلق من مرونة قانونية فيما يخص الملكية، وإحداث شبابيك موحدة للقرب تسهّل المساطر داخل الجماعات القروية، فضلا عن توفير مواكبة تقنية وهندسية ميدانية تراعي خصوصيات البناء القروي وتضمن في الوقت نفسه شروط السلامة والجودة.
ورغم أن الانتقادات لم تقتصر على القرى فقط، فإن المدن بدورها سجلت ملاحظات، إذ اعتبر خبراء اقتصاديون أن الدعم ساهم في تضخم أسعار العقار وجعل المنعشين العقاريين المستفيدين الأكبر من العملية، على حساب الفئات المستهدفة. وبذلك، تحول دعم الدولة في نظر كثيرين من وسيلة لمساعدة المواطنين إلى رافعة لأرباح الشركات العقارية.
ويبقى برنامج دعم السكن، المقرر أن يمتد إلى غاية 2028، أحد أهم أوراش السياسة الاجتماعية في المغرب، لكنه يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما أن يُراجع بعمق ليستجيب لتنوع الحاجيات المجالية والاجتماعية، أو يظل عنوانا لفجوة بين مدينة تستفيد وقرية تنتظر.
يوسف وفقير - الرباطأعلن حقوقيون ومحامون من المغرب وعدد من الدول العربية عن إطلاق إطار قانوني جديد يهدف إلى ملاحقة...
يوسف وفقير - الرباطأكدت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب اليوم الاثنين، أن الحكومة تدخلت...
اشترك في النشرة الإخبارية لتصلك التحديثات الجديدة يوميًا
كن أول من يعلق على هذا المقال
احصل على آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني