إيموزار تحتضر والسكان تعبوا من البكاء حتى جفت دموعهم كما جفت عين السلطان بفعل الجفاف المستمر والاستعمال المفرط من طرف المتسلطين والمستغلين للمياه السطحية والجوفية بعشوائية أمام أعين رئيس البلدية وأغلبيته الذين ظلوا يخوضون منذ تكوين المجلس في معارك داخلية مفتعلة مع معارضتهم واختلاق أزمات وهمية مع السلطات المعنية محليا وإقليميا لتضليل الرأي العام والتستر وراءها لإخفاء فشلهم الذريع في تسيير وتدبير شؤون الجماعة..
وبدل أن يركزوا على المشاكل الحقيقية التي تتخبط فيها المدينة وتعرقل تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالبحث عن الحلول الناجعة لها، انشغلوا بمصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة للمواطنين..
لقد يئس السكان من هذه الوضعية المزرية التي توجد عليها مدينة إيموزار كندر ، هؤلاء السكان الذين ظلوا يحلمون بأن مدينتهم سوف تصبح جنة فوق الأرض كما وعدهم بذلك الرئيس "البطل"، فها هم قد استيقظوا بعد ثلاثة أعوام من سباتهم فوجدوا أنفسهم في الجحيم عوض الجنة الموعودة ليستسلموا للأمر الواقع، حيث أصبحوا يتفرجون على المنكر في صمت رهيب والمدينة تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام أعينهم وحتى أمام أنظار "الأطباء المختصين" الذين هم بدورهم، على ما يبدو عاجزون عن التدخل لإنقاذها، لسر يعلمه الله، قد يكون مخافة التأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي الذي يستعمله الرئيس بوقاحة، مستغلا صفته كبطل "باطل" في رياضة الكيك بوكسينغ ، علما بأن لا أحد فوق القانون الذي يخضع له الجميع بدون استثناء مهما كانت صفاتهم ودرجاتهم.
فلم يعد هناك عذر أمام الأجهزة المختصة لتبقى في موقف المتفرج، حيث أصبحت ملزمة بالتدخل العاجل والقيام بواجبها لوقف النزيف قبل استفحال "المرض" فيستحيل علاجه، وذلك على الأقل بالعمل على تطبيق القانون التنظيمي للجماعات المحلية في بعض مواده وخاصة منها المادة 64، على غرار ما عرفته وتعرفه العديد من الجماعات الترابية بالمملكة التي تمت متابعة المسؤولين بها قضائيا من أجل مخالفات وتجاوزات لم تصل جسامتها إلى درجة ما قام به الرئيس وأغلبيته بجماعة إيموزار، حتى أصبح الناس يشكون في أسباب غض الطرف عن هذا الرئيس "فوق العادة"، إلى حد أن بعض السكان يروجون لإشاعة خطيرة، قد يكون "البطل" نفسه هو مبتكرها، مفادها أن رئيس إيموزار يتمتع "بحصانة" لدى جهاز نافذ يحميه من أية متابعة قضائية ولن يزعزعه أحد من كرسي الرئاسة إلى نهاية الولاية.
وهذا أمر مزعج جدا عندما يتم إقحام بعض الأجهزة عبثا في مثل هذه المتاهات والتي قد تكون بريئة منها.. لكن اللغز على كل حال يبقى قائما ومحيرا ما دام هذا الرئيس يصول ويجول رغم كل الاختلالات والخروقات التي تعيشها بلدية إيموزار .
والأمر هنا لا يحتاج إلى حجج ودلائل ما دام الجميع يرى بالعين المجردة في واضحة النهار الحالة المزرية لمدينة إيموزار بيئيا واقتصاديا واجتماعيا، فأصبح لزاما على الأجهزة المعنية أن تتحقق من الأمر في عين المكان لتقف بنفسها على مكامن الخلل طبقا للمقولة: " ليس من سمع كمَن رأى".
لقد قالوا قديما باللغة العامية:" فلان طاح، قالوا من الخيمة جاء مايل".
إن الحالة التي وصلت إليها مدينة إيموزار كان أمرا متوقعا ومحتوما منذ النشأة الأولى للمجلس وذلك لعدة أسباب موضوعية وسياسية، وعلى رأسها مشكل الرئاسة التي لا تتلاءم ومبدأ " الرجل المناسب في المكان المناسب", لا نشأة (لأن الرئيس ازداد وترعرع خارج أرض الوطن)، لا تكوينا متينا علما وثقافة، ولا تكوينا سياسيا سليما، ناهيك عن مكامن نقص أخرى لا مجال لذكرها..
ومن غرائب السياسة أن رئيس إيموزار هو المنتمي الوحيد لحزب الحركة الشعبية واستطاع أن يترأس المجلس بأغلبيته التي تضم أحزابا عريقة أخرى تتوفر ضمنه على ما لا يقل عن خمسة أعضاء لكل حزب وخاصة حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال الذي ظل دائما يترأس المجلس في خمس محطات منذ الاستقلال.
ومن عجائب السياسة كذلك عدم الالتزام بالانتماءات الحزبية كما هو منصوص عليه بالمادة 20 من القانون التنظيمي للجماعات المحلية تفعيلا للقانون رقم 11- 29 المتعلق بالأحزاب السياسية الذي يتم بموجبه تجريد كل منتخب من عضويته بمجلس معين في حالة عدم التزامه بالضوابط والتوجهات التي يفرضها الحزب الذي ينتمي إليه.
هذا الموضوع سبق لي أن تناولته في مقال سابق ونشرته عبر موقع هسبريس تحت عنوان:" تمثيلية الإرتزاق".. وهذه الحالة بالذات وقعت بجماعة إيموزار عند تكوين المجلس وانتخاب رئيسه حين تقدم لمنصب الرئاسة مرشحان اثنان أحدهما هو الرئيس الحالي باسم حزب الحركة الشعبية وهو العضو الوحيد الذي يمثل هذا الحزب داخل المجلس، والثاني باسم الاتحاد الاشتراكي الذي يضم خمسة أعضاء بالإضافة إلى مساندته ب 10 أعضاء كلهم ينتمون إلى حزب التقدم والاشتراكية؛ فكانت النتيجة المشؤومة أن تخلى ثلاثة أعضاء من الاتحاد الاشتراكي عن حزبهم بالتصويت لصالح الرئيس الحالي ..
ورغم متابعتهم أمام القضاء، لم يتم تجريدهم من عضويتهم بالمجلس بقرار من المحكمة الإدارية.
وهكذا قرارات تضرب في العمق مصداقية الأحزاب السياسية وتحد من قدراتها على تأطير وضبط منخرطيها، مما ينعكس سلبا على العمليات الانتخابية برمتها، وعلى العمل السياسي بصفة عامة..
هكذا إذن كانت انطلاقة مجلس إيموزار بشكل غير سوي منذ البداية طبقا للمقولة الشعبية: "الفقوس كيعواج من الاول" مثل اعوجاج مجلس جماعة إيموزار منذ بدايته ولم يساهم الرئيس بأي شيء يذكر في تصحيح وتقويم هذا الاعوجاج رغم كل الفرص الذهبية التي أتيحت له كان آخرها ما قمت به شخصيا لصالحه، كقيدوم المنتخبين وقيدوم السياسيين بإقليم صفرو وذلك غيرة مني على مسقط رأسي الذي كنت ولا زلت أناضل من أجله، ونزولا عند رغبة بعض الأعيان من سكان إيموزار لفك الإنسداد "البلوكاج"، وكذلك استجابة لطلب الأمين العام للحركة الشعبية السيد محمد أوزين حين زارني في منزلي بالرباط رفقة الرئيس لخصم وبحضور نائب رئيس مجلس النواب السيد ادريس اشطيبي حيث أسفر ذلك اللقاء عن التحاق ثلاثة أعضاء بمجموعة الرئيس كدفعة أولى، اثنان منهم اتحاديون وآخر من حزب التجمع الوطني للأحرار ..
ثم بعد ذلك، و في ظرف بضعة أسابيع فقط زودناه بدفعة ثانية كان عددها ستة أعضاء، ليحصل بذلك على أغلبية مطلقة جد مريحة إلى درجة الإجماع بالتصويت على كل النقط التي يقترحها في جدول أعمال دورات المجلس.
مع الأسف الشديد، لم تنفع كل هذه التنازلات من طرف المعارضة في تحسين وتجويد تسيير الرئيس لشؤون الجماعة التي ظل يمارسها على هواه لمدة ناهزت السنة. فلم يستوعب هذا الدرس ولم يراع هذا المجهود الجبار الذي بذل لصالحه لإنقاذ الجماعة التي يترأسها، بل تنكر للجميل وظل يسعى ليل نهار إلى زرع البلبلة والتفرقة داخل الأغلبية الجديدة بالنفاق والكذب واتهام السلطة مرة أخرى بعرقلته عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي التي يديرها أصحابه كخطة منه لإلهاء الرأي العام وربح الوقت إلى غاية تجاوز خطر إقالته من طرف ثلاثة أرباع المجلس مع نهاية النصف الأول من هذه الولاية طبقا للمادة 70 من القانون التنظيمي للجماعات المحلية، وبعد ذلك سوف يتحرر من كل القيود التي تمارسها عليه الأغلبية والمعارضة على حد سواء ويتصرف في شؤون الجماعة كما يشاء بلا حسيب ولا رقيب.
وهذا أمر وارد ما لم تسارع الأجهزة المعنية باستعمال صلاحيتها كاملة لإنهاء هذا الكابوس الذي ابتلي به سكان إيموزار كندر.
قد يقول قائل بأن الجهاز الوصي على الجماعات المحلية لا يتحمل مسؤولية ما يقع بجماعة إيموزار، إذ ليس من حقه أن يتدخل في شؤونها الداخلية احتراما لمبدأ فصل السلط واستقلالية الجماعات في تسيير وتدبير شؤونها بنفسها على اعتبار أن "المجلس سيد نفسه".
هذا قول صحيح مبدئيا، لكن الأصح هو أن الجهاز الوصي على الجماعات من حقه، بل ومن واجبه التدخل قانونيا في الشؤون الجماعية حين يتبين له أن هناك اختلالات في التسيير من طرف مجلس معين يعرقل تنمية الجماعة التي يتولى تسييرها. فإن لم يفعل، فسوف تصبح الجماعات مجرد مستنقعات يستغلها المفسدون لقضاء مصالحهم الشخصية بلا حياء ولا خوف من متابعة محتملة ضدهم وفقا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، مما سينعكس حتما على المسار الصحيح للنهج الديمقراطي الذي تتبناه وترعاه المملكة المغربية المشمولة بحفظ الله ورعايته.
وبالرجوع إلى أقوال الذين يرون المشهد من وراء الستار ويتقدمون بآراء لا علاقة لها بما يجري حقيقة على أرض الواقع، كقول بعضهم بأن المجلس نفسه هو المسؤول عن كل ما وقع ويقع بجماعة إيموزار كندر حيث كان عليه أن يضع حدا لهذا العبث باللجوء إلى الآليات القانونية لإقالة هذا الرئيس إذا تبين لهم أنه غير صالح.. فلا شك أن هؤلاء يجهلون بأن هذا الأمر معقد أكثر مما يعتقدون عندما يعلمون بأن المعارضة في مجلس إيموزار استطاعت أن تجمع عددا أكبر من العدد اللازم لتكوين الأغلبية المطلقة، حيث استطاعت منذ السنة الأولى للولاية الانتخابية أن تستقطب 19 عضوا من أصل 28 وطلبت من الرئيس آنذاك عقد دورة استثنائية طبقا للمادة 36 لمناقشة قضية من اختصاصها بتاريخ 3/6/2022 تحت عدد 1253 وبمراسلة مماثلة في نفس الموضوع تحت إشراف باشا المدينة تحت عدد 674، فتم رفضها من طرف الرئيس.
وعلى إثر هذا الرفض غير المبرر قانونيا رفعت المعارضة شكاية إلى السيد العامل لتفعيل المادة 64 بتاريخ 27/6/2022 تحت عدد 807 ظلت مجهولة المصير إلى الآن .
ويأتي بعد ذلك حدث أكبر حينما بدأ الرئيس يتجاوز حدوده بهجومه عبر قنوات التواصل الاجتماعي بالقذف والتشهير على السيد عامل إقليم صفرو ظلما وعدوانا، مما دفع هذا الأخير إلى اللجوء إلى القضاء والذي لم يسفر، مع الأسف، عن أي نتيجة إلى حد الساعة.. بل إن الرئيس خرج من هذه القضية قويا أكثر من الماضي فأخذ يتمادى في طغيانه وتعنته ليس على أعضاء المجلس فحسب، بل كذلك على رجال السلطة المحلية، طبقا للمقولة الشعبية:" اللي ما تقتل كتسمن" ..
أليس هذا لغزا محيرا؟ أليس من حق الناس أن يتساءلوا عن مصدر قوة هذا الرئيس؟ إن سكان مدينة إيموزار اليوم ومعهم أعضاء المجلس حائرون من أمرهم لأنهم لم يجدوا وسيلة ناجعة للخروج من هذا المأزق بأقل خسارة ممكنة وذلك قبل نفاذ الوقت المتبقي لتجاوز المحطة المفصلية بعد أقل من شهرين من اليوم. فالوسيلة الوحيدة التي يملكها أعضاء المجلس هي لجوؤهم إلى تفعيل المادة 70 من القانون التنظيمي للجماعات المحلية الذي يجيز طلب إقالة الرئيس بثلاثة أرباع من عدد أعضاء المجلس .. وهذا أمر صعب للغاية، إن لم أقل يكاد يكون مستحيلا كما سبق لي أن شرحته في مقالي السابق عبر هسبريس تحت عنوان: "تمثيلية الارتزاق" وذلك لسبب موضوعي بسيط الذي هو كالتالي: يعلم الجميع بأن كل مجلس جماعي يتكون من الرئيس ونواب الرئيس ولجان دائمة بنوابهم بالإضافة إلى الكاتب ونائبه. وكل هؤلاء يتقاضون تعويضات عن المهام على الشكل التالي:
- النواب يتقاضون ألفين درهما (2000,00).
- رؤساء اللجان يتقاضون ألف درهم (1000,00)
- نواب رؤساء اللجان: خمسمائة درهم (500,00)
- الكاتب يتقاضى ألف درهم (1000,00)
- نائب الكاتب يتقاضى خمسمائة درهم (500,00)
وفي حالة جماعة إيموزار التي هي موضوعنا، فإن جل النواب ورؤساء اللجان ونوابهم والكاتب ونائبه لا يتوفرون على شغل دائم ولا على راتب قار يغنيهم عن هذه التعويضات التي يحرصون أن تدوم لهم عوض المغامرة بالخروج إلى المعارضة فيفقدوا هذه الامتيازات ولو كانت مؤقتة ..
وإذا قمنا بإحصاء عدد هؤلاء المستفيدين فسنجدهم 17 عضوا يمكن أن يبقوا متمسكين بالرئيس بناء على السبب المتحدث عنه آنفا، ليبقى الملاذ الأخير لإنقاذ إيموزار هو تدخل الوزارة المعنية بثقلها القانوني لوضع حد لهذا العبث قبل حدوث أزمة اجتماعية لا قدر الله.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"..
قيدوم المنتخبين والسياسيين بإقليم صفرو
بناصر أحوجيل.