الخميس, 10 يوليو 2025
مادة إعلانية

"مهرجانات التفاهة ومآسي القرى المنسية"..بقلم عبد العزيز الخبشي

الأحد 29 يونيو 2025
"مهرجانات التفاهة ومآسي القرى المنسية"..بقلم عبد العزيز الخبشي

حين تُهدر الملايين في المهرجانات على نزوة مطربة تُطالب بمستحقاتها “كاش” قبل اعتلاء المنصة، ويُقدم لها الطاعة والولاء من لجنة تنظيمية لم تتردد في إرضاء نزواتها، يُطرح سؤال جوهري: أي مجتمع هذا الذي يجعل من الغناء مدخلاً للوجاهة السياسية والثقافية، فيما مدارس القرى بلا أسقف، ومراكز الصحة بدون أطباء، والطرق محفرة تبتلع الأرواح كل يوم؟ ما ورد في خبر "شوف تيفي" ليس مجرد تسريب حول شيرين عبد الوهاب ومنصة النهضة، بل هو انعكاس بنيوي لثقافة سياسية تضع "الفرجة" في مقدمة أولوياتها، وتغيب عن معاناة الوطن الحقيقية، وتكرس نوعاً من “الإنفاق الأبله” الذي لا طائل منه سوى تكريس التفاهة وتلميع صور من يتحكمون في المال العمومي.


من يُتابع حيثيات هذا الحدث العبثي، يكتشف أن المشكلة لم تكن فنية أو تنظيمية بل مالية محضة، حيث رفضت الفنانة المصرية أن تصعد إلى الخشبة قبل أن تتسلم ما تبقى من مستحقاتها نقداً، رغم أن الاتفاق الأصلي كان يقضي بتحويل المبلغ عبر الحساب البنكي. فهل أصبحنا أمام علاقة تجارية محضة لا مكان فيها لا للثقة ولا للكرامة؟ وهل صارت لجان التنظيم أدوات خضوع لرغبات النجوم الذين لا يعنيهم شيء سوى ما يقبضونه، بينما المواطن البسيط يُقهر في أبسط حقوقه؟ إنها مهزلة تنكشف في تفاصيلها خبايا أكبر: إهدار ممنهج للمال العام، وانحراف خطير في سلم الأولويات التنموية.

حين تنقل الصحافة مثل هذه “التبركيكة”، فإنها لا تفضح فقط سوء التدبير، بل تكشف هشاشة تصور الدولة للثقافة، التي يتم خلطها بالميوعة والاستعراض، وكأن الثقافة لا معنى لها إلا بالغناء الهابط والاستعراض السمج. في هذا السياق، تتحول المنصات إلى معابد للتفاهة، ويُحتفى بالمطربين على حساب المثقفين والمبدعين الحقيقيين الذين لا يجدون قاعة عرض أو دعماً لنشر كتبهم أو تنظيم تظاهرات جادة. أما القرى، فتعيش في صمت القهر، محرومة من أبسط البنيات التحتية، حيث النساء يلدن على الطرقات، والأطفال يقطعون الكيلومترات للوصول إلى مدارس متهالكة، والمرضى يموتون أمام المراكز الصحية المقفلة.

الدولة التي ترعى هذه المهرجانات دون حساب، وتغدق أموالاً طائلة على نجوم من خارج البلاد، بينما فقراؤها يتسولون الحق في العيش الكريم، ليست دولة في خدمة مواطنيها، بل كيان يُمارس تلميع الواجهة على حساب الحقيقة. الغريب في الأمر أن الاحتفاء بشيرين جاء في وقت تعرف فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة، وغلاء معيشة متوحش، وكأن الصوت الجميل سيُسكت أنين الجائعين، أو أن الحفلات الباذخة ستُنسي الشعب ضيق العيش.

ما نحتاجه ليس مهرجانات للتسلية الموسمية، بل مخططات تنموية تُراعي الحاجيات الحقيقية للمجتمع، خصوصاً العالم القروي والمناطق المهمشة. ما نحتاجه هو مراجعة نقدية عميقة لطريقة تدبير المال العام، وتحرير الثقافة من قبضة التسليع والفرجة الرديئة. أما التفاهة، فإن استمرار تمويلها من جيوب المواطنين هو شكل من أشكال العنف الرمزي الذي يُمارَس ضد الشعب تحت غطاء "الفرجة" و"الانفتاح"، في حين أنها ليست سوى غطاء لواقع مأساوي متعفن.

إنه زمن الرداءة... زمن تُعطى فيه الأسبقية لصوت “مطربة” على صراخ وطن.

- فاس في ٢٩ يونيو ٢٠٢٥.

- عبد العزيز الخبشي.

مقالات ذات صلة

جدل سياسي يرافق مصادقة مجلس النواب على تعديل قانون المراكز الجهوية للاستثمار
مجتمع

جدل سياسي يرافق مصادقة مجلس النواب على تعديل قانون المراكز الجهوية للاستثمار

يوسف وفقير - الرباطصادق مجلس النواب، اليوم الثلاثاء 8 يوليوز 2025، خلال جلسة تشريعية ترأسها رئيس المجلس راشيد الطالبي العلمي، على مشروع القانون...

0 تعليقات
افتتاح مركز طبي للقرب بسلا.. تعميم للعلاج وتكريس لروح التضامن
مجتمع

افتتاح مركز طبي للقرب بسلا.. تعميم للعلاج وتكريس لروح التضامن

يوسف وفقير - الرباطفي إطار تنفيذ التعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تم، اليوم الجمعة بمدينة سلا تابريكت، إعطاء الانطلاقة...

0 تعليقات

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية لتصلك التحديثات الجديدة يوميًا

نحن نحترم خصوصيتك. لن نشارك بريدك مع أي طرف ثالث.

تعليقات الزوار (0)

لا توجد تعليقات بعد

كن أول من يعلق على هذا المقال

أضف تعليقًا

سيتم مراجعة تعليقك قبل النشر

اشترك في نشرتنا البريدية

احصل على آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني

جميع الحقوق محفوظة لموقع bawabapress.com © 2025
شروط الاستخدام سياسة الخصوصية تم إنشاء وإدارة الموقع بواسطة AppGeniusSARL