الغش في مباريات التوظيف هو أحد أخطر أشكال الفساد الذي يضرب في صميم العدالة وتكافؤ الفرص، ويفقد ثقة المواطنين في المؤسسات. حين يُستبدل معيار الكفاءة والاستحقاق بالمحسوبية أو التلاعب، يتحول التوظيف من وسيلة لبناء مجتمع عادل إلى أداة لإعادة إنتاج الامتيازات والسلطة. لا يعود الامتحان اختبارًا للجدارة، بل مسرحًا للتمويه، حيث تُمنح المناصب لمن يعرف الطريق المختصر، لا لمن تعب في الطريق الطويل.
لكن الأخطر من ذلك، أن هذا الغش لا يقتصر على مباريات الإدارة أو الاقتصاد، بل يتسلل إلى مباريات التعليم، حيث يُفترض أن يكون الانتقاء صارمًا، لأن الأمر يتعلق بمن سيُربي أجيالًا صاعدة. حين يُوظف غير الأكفاء في قطاع التعليم، لا نخسر فقط منصبًا، بل نخسر مستقبلًا. نُسلّم أبناءنا لمن لم يُختبر في كفاءته، فيُعيد إنتاج الرداءة، ويُكرّس الجهل، ويُطفئ شرارة الفضول في عقول الناشئة.
الغش في التوظيف ليس مجرد فعل فردي، بل هو تعبير عن بنية اجتماعية مختلة، حيث تُختزل الدولة في شبكات الزبونية، ويُفرغ مفهوم "الوظيفة العمومية" من بعدها الوطني. إنه شكل من أشكال "العنف الرمزي" الذي يُمارس على الكفاءات، ويُكرّس ثقافة الاستسلام أو الهجرة أو الانفجار. حين يُقصى المجتهد ويُكافأ المتسلل، يُصبح النجاح فعلًا عبثيًا، وتُغتال الحوافز في مهدها.
في قطاع التعليم، يتحول هذا الغش إلى كارثة بنيوية: موظفون بلا كفاءة، يدرّسون بلا شغف، ويُربّون بلا وعي. كيف ننتظر من منظومة كهذه أن تُنتج علماء أو مفكرين أو مواطنين فاعلين؟ كيف نرتقي بالتعليم إذا لم نبدأ من أنفسنا، من ضميرنا، من رفضنا للغش حتى لو كان لصالحنا؟ الإصلاح لا يبدأ من الوزارة، بل من الوعي الفردي، من قرار داخلي بأن لا نكون جزءًا من منظومة الرداءة.
إذا أردنا تعليمًا ينهض، فعلينا أن نُعيد الاعتبار للضمير، أن نُحصّن مباريات التوظيف من التلاعب، أن نُعيد للمدرسة هيبتها، وللمعلم مكانته، وللمعرفة قدسيتها. لا إصلاح بدون استحقاق، ولا استحقاق بدون نزاهة، ولا نزاهة بدون ضمير.
بقلم: منصف الادريسي الخمليشيإنه ذلك الرجل الذي خرج من المدرسة التقليدية العريقة، عبد اللطيف الجواهري، الذي أسميه بـ«المحافظ على التيار...
وردة احرون-إيموزار كندر في المغرب اليوم، لا يُطرح سؤال الشباب بوصفه فئة عمرية فقط، بل كقضية سياسية واجتماعية وثقافية تمس...
اشترك في النشرة الإخبارية لتصلك التحديثات الجديدة يوميًا
كن أول من يعلق على هذا المقال
احصل على آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني