السبت, 08 نوفمبر 2025
مادة إعلانية

حين تغيب المسؤولية وتحضر “السيلفيات”: قراءة نقدية في مشهد غياب رئيس المجلس الجماعي لإيموزار كندر عن اللقاء التشاوري بعمالة صفرو.

الجمعة 07 نوفمبر 2025
حين تغيب المسؤولية وتحضر “السيلفيات”: قراءة نقدية في مشهد غياب رئيس المجلس الجماعي لإيموزار كندر عن اللقاء التشاوري بعمالة صفرو.

بقلم: علي أعوين عضو المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومنتخب بجماعة ايموزار كندر.


في مشهد لا يخلو من الدلالات العميقة حول أزمة النخب المحلية، عرف اللقاء التشاوري المنعقد بعمالة صفرو يوم الأربعاء 5 نونبر 2025 حضورا وازنا لمختلف الفاعلين الترابيين، من برلمانيين ورؤساء جماعات ومنتخبين وممثلي المصالح الخارجية والمجتمع المدني، في إطار تنزيل برنامج الجيل الجديد للتنمية الترابية المندمجة، وهو الورش الملكي الذي يروم الإنصات للمجتمع ومأسسة التشاور حول أولويات التنمية المحلية.

غير أن الغياب الصارخ لرئيس جماعة إيموزار كندر، الذي فضّل السفر إلى إسبانيا ونشر صور "السيلفي" المعتادة على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، ألقى بظلال من الاستغراب والتساؤل حول معنى الالتزام العمومي، وحول حدود الوعي بالمسؤولية السياسية والأخلاقية الملقاة على عاتق المنتخبين المحليين.


إن الأمر لا يتعلق هنا بغياب عرضي أو ظرفي، بل بموقف يُعبّر عن خلل في تصور المرفق العام وفي معنى التمثيلية الانتخابية نفسها. فحين يغيب رئيس جماعة عن لقاء رسمي من هذا الحجم، يروم إعداد رؤية تنموية شمولية للإقليم، فهو لا يتغيب عن اجتماع بروتوكولي فحسب، بل يتغيب عن صوت المدينة التي انتخبته، وعن قضايا المواطنين الذين وضعوا ثقتهم فيه. ومن ثمّ يصبح التساؤل مشروعاً: من سيمثل إيموزار كندر حين يُصاغ مستقبل الإقليم؟ ومن سيحمل هموم الساكنة إلى مائدة القرار إن غاب من يُفترض أن يكون صوتها المدافع وذاكرتها الحية؟


لقد جاءت الدعوة إلى هذا اللقاء في سياق خاص يتسم بعودة الدولة إلى التخطيط المندمج، انسجاماً مع التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش ليوم 29 يوليوز 2025، الذي دعا فيه جلالة الملك إلى إطلاق جيل جديد من البرامج التنموية، قوامها الالتقائية بين المشاريع وفعالية الحكامة الترابية. غير أن هذه الروح الجديدة، التي تسعى إلى القطع مع التشتت والتدبير الموسمي، تصطدم بواقع بعض المسؤولين المحليين الذين لا يزالون يتعاملون مع المسؤولية العمومية كمنبر للوجاهة الاجتماعية أو نافذة لعرض الذات الافتراضية، لا كأمانة تقتضي التواجد في قلب الانشغال الجماعي.


وإذا كان الغياب عن اللقاء التشاوري مدعاة للاستغراب، فإن غياب رئيس جماعة إيموزار كندر عن احتفالات عيد المسيرة الخضراء المظفرة يزيد المشهد قتامة، لما يحمله هذا العيد من رمزية وطنية خالدة تستحضر روح الكفاح الوطني لاسترجاع أقاليمنا الجنوبية، وتجسد الارتباط العميق بين العرش والشعب في ملحمة الوحدة الترابية. فهذه السنة على وجه الخصوص، تكتسي المناسبة بعداً استثنائياً بالنظر إلى ما راكمه جلالة الملك محمد السادس من نجاحات دبلوماسية متوالية في تثبيت مغربية الصحراء وترسيخ الاعتراف الدولي بالوحدة الترابية للمملكة. ولذلك، فإن غياب مسؤول ترابي عن هذه اللحظة الوطنية الجامعة لا يمكن قراءته إلا كفقدان للبوصلة الوطنية، واستخفاف برمزية مناسبة تتجاوز الاحتفال الشكلي إلى استحضار معاني الولاء والانتماء والالتزام بمواصلة بناء الوطن الموحد والمتضامن. فالمسيرة الخضراء ليست مجرد ذكرى عابرة، بل هي ميثاق وطني مستمر، ومن يغيب عن رموزها يغيب في العمق عن روحها.


إن الغياب عن مثل هذا اللقاء ليس مجرد تصرف شخصي، بل مؤشر على أزمة عميقة في الوعي السياسي لدى جزء من النخب المحلية، التي استبدلت ثقافة الميدان بثقافة الصورة، والعمل التنموي الجاد بالبحث عن "الإعجابات" على منصات التواصل الاجتماعي. فحين يتحول المنتخب إلى "مؤثر" رقمي أكثر منه فاعلاً عمومياً، يصبح الحضور الافتراضي بديلاً عن الحضور الواقعي، ويغدو التفاعل الإلكتروني بديلاً عن الإصغاء لمطالب الناس في الميدان. وهذه هي بالضبط معضلة السياسة المحلية اليوم: انفصال الخطاب عن الفعل، والمشهد عن المضمون.


لقد أثبتت التجربة أن التنمية ليست شعارات تُتداول في الاجتماعات، بل هي قدرة على الإنصات، والترافع، والتخطيط، والتنسيق. وإن حضور اللقاءات التشاورية لا يُقاس بعدد الصور المنشورة ولا بالمداخلات المستعرضة، بل بمدى الالتزام العملي بالمساهمة في صياغة المشاريع والمرافعة عن حاجيات الساكنة. وفي هذا الإطار، فإن غياب رئيس جماعة إيموزار كندر عن لقاء بهذا المستوى يُفهم كاستخفاف بمسؤولية التمثيل، وكدليل على تآكل الحس المؤسسي لدى بعض المنتخبين، الذين ما زالوا يتعاملون مع المنصب بمنطق الامتياز لا بمنطق التكليف.


إن النقد هنا لا يوجَّه إلى شخص بعينه بقدر ما يُوجَّه إلى نموذج سائد في الممارسة السياسية المحلية، حيث يغيب الانخراط الحقيقي في قضايا التنمية لصالح استعراضات فردية لا تنتج سوى مزيد من العزلة بين المنتخب والساكنة. فإيموزار كندر، بما تحمله من مؤهلات طبيعية وسياحية، وبما تعانيه في المقابل من مشاكل بيئية وتنموية واجتماعية، كانت في حاجة إلى حضور فاعل لرئيسها في مثل هذا اللقاء، ليس مجاملة للعامل أو للمنظمين، بل واجباً تجاه المدينة وسكانها.


إن ما يحتاجه الإقليم اليوم ليس مزيداً من الصور ولا من التصريحات الموسمية، بل حضوراً ميدانياً واعياً ومسؤولاً، قادراً على ترجمة الخطابات الوطنية إلى مبادرات محلية، وعلى تحويل الرؤية الملكية للتنمية إلى فعل ملموس على الأرض. ومن المؤسف أن تُغيب بعض النخب عن مثل هذه المحطات التي تُشكل فرصة نادرة للترافع عن المشاريع المهيكلة، كتأهيل البنية التحتية، وتثمين الموارد الطبيعية، ودعم المقاولات المحلية، وتوسيع العرض الثقافي والسياحي بالمدينة.


إن المواطن، وهو يرى غياب من انتخبه ليمثله، يتساءل بمرارة: من يسمع مشاكلنا؟ من يدافع عن حقنا في التنمية والعدالة المجالية؟ ومن ينقل صوت إيموزار كندر إلى دوائر القرار؟ تلك الأسئلة التي كان يفترض أن يجيب عنها حضور الرئيس نفسه، لا صوره المنشورة في مقاهي مدريد أو شواطئ برشلونة.


إن المطلوب اليوم هو إعادة الاعتبار إلى مفهوم الالتزام السياسي، باعتباره خدمة عمومية لا امتيازاً شخصياً، ومسؤولية جماعية لا مناسبة للاستعراض. فالتنمية الترابية، كما حددتها الخطابات الملكية والوثائق المرجعية للدولة، ليست مجرد ورش إداري، بل مشروع حضاري يقوم على قيم الجدية، والالتقائية، وربط المسؤولية بالمحاسبة. وكل منتخب يتخلف عن هذا المسار يضع نفسه خارج منطق المرحلة، وخارج انتظارات المواطنين.


ولعل الدرس الذي يمكن استخلاصه من هذا الغياب الرمزي هو أن مستقبل التنمية في الأقاليم لن يُصاغ في الفضاءات الافتراضية، بل في اللقاءات الحقيقية التي تجمع المنتخبين بالمجتمع المدني والإدارة الترابية، في ورش جماعي يتطلب الحضور والمبادرة والتفاعل. أما الغياب في لحظة الحوار، فهو في العمق غياب عن التاريخ، وعن روح المسؤولية، وعن جوهر السياسة التي هي خدمة الناس لا خداعهم بصورة عابرة.

مقالات ذات صلة

حين صوّت العالم… واصل البعض الصراخ في الفراغ
كتاب وآراء

حين صوّت العالم… واصل البعض الصراخ في الفراغ

بقلم : يوسف وفقير بينما أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي أتابع فرحة المغاربة وبعض ردود الفعل التي أعقبت تصويت مجلس الأمن...

0 تعليقات
مسار تاريخ: -من المسيرة إلى المصير: خمسون سنة من الحلم الذي صار وطنا
كتاب وآراء

مسار تاريخ: -من المسيرة إلى المصير: خمسون سنة من الحلم الذي صار وطنا

كنت طفلا في العاشرة من عمري حين دوى في السماء نداء الوطن سنة 1975. لم أكن أدرك تماما معنى أن...

0 تعليقات

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية لتصلك التحديثات الجديدة يوميًا

نحن نحترم خصوصيتك. لن نشارك بريدك مع أي طرف ثالث.

تعليقات الزوار (0)

لا توجد تعليقات بعد

كن أول من يعلق على هذا المقال

أضف تعليقًا

سيتم مراجعة تعليقك قبل النشر

اشترك في نشرتنا البريدية

احصل على آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني

جميع الحقوق محفوظة لموقع bawabapress.com © 2025
شروط الاستخدام سياسة الخصوصية تم إنشاء وإدارة الموقع بواسطة AppGeniusSARL