تتناول الدراسة إشكالية تأثيرات أزمة جائحة كورونا على صناعة الصحافة والميديا من منظور سياقات متعددة، عربية وأوروبية وأميركية، في الوقت ذاته. كما تهدف إلى استكشاف هذه التأثيرات على المدى القريب والمدى البعيد ومعالجتها، نظريًّا، في سياقاتها المتعددة الصناعية والصحفية المهنية وحتى الثقافية. وتكتسي معالجة تأثيرات أزمة جائحة كورونا من منظور ثنائية المدى القريب والمدى البعيد أهمية بالغة ليس فقط لأنها جلية في النقاش المهني والبحثي في السياقات الأوروبية والأميركية، بل لأن هذه المقاربة (أي النظر إلى انعكاسات الأزمة وتأثيراتها الفورية والبعيدة) تُمثِّل فرصة سانحة لاستئناف النقاش بمعطيات جديدة في الإشكاليات الكبرى التي تعيشها الصحافة والميديا، بل إن إشكالية تأثيرات الجائحة لم تكن في واقع الأمر سوى فرصة للاستمرار (أو لاستئناف) النقاش ذاته حول مستقبل الصحافة والميديا الذي لن يتوقف أبدًا.
ويُفصِّل الأكاديمي الصادق الحمامي، أستاذ مشارك في معهد الصحافة وعلوم الإخبار بجامعة منوبة، مسألة تأثيرات جائحة كورونا على مهنة الصحافة وصناعة الميديا إلى مشكلات فرعية متعددة على غرار تأثيرات الأزمة على اقتصاد الميديا وعلى سوق الإعلان (أولًا)، ومستقبل الصحافة المطبوعة (ثانيًا)، والإجراءات المتعددة التي اتخذتها الحكومات لدعم الصحافة بشكل خاص وصناعة الميديا بشكل عام (ثالثًا)، وعلى ممارسات استهلاك الميديا والاعتماد على الأخبار والثقة فيها في سياق الأزمات (رابعًا)، واستراتيجيات الابتكار والتجديد التي وضعتها صناعة الميديا في المجالات التحريرية (المضامين والتغطية) والتجارية (تسويق المنتجات) أو التكنولوجية والانخراط في الخيار الرقمي ووضع طرق مبتكرة للعمل عن بعد. وقد استند الباحث في مقاربته لأبعاد المشكلات المطروحة على منهج التحليل الوثائقي وأداة المقابلة لجمع المعطيات الضرورية للتحليل في إطار هذه الدراسة الاستطلاعية. ويُعَدُّ التحليل الوثائقي من المناهج الأساسية في العلوم الاجتماعية بجانب المنهج المسحي، وهو يسمح بالحصول على معطيات كمِّية وكيفية. ويشمل التحليل الوثائقي المبررات الرسمية والإحصائيات والأرشيف؛ وهي جزء من الأدبيات التي استعان بها الباحث، وتقدم معلومات عن السياق. ويكون لبعض المعلومات التي تُسمَّى بـ «التحليل الثانوي” للمعطيات دور في تحليل جديد لمعطيات كيفية وكمية متوفرة في دراسات أخرى في إطار مقاربات جديدة، وهذا ما يفسر تعدد وتنوع الوثائق الني استخدمتها الدراسة.